شَبَح الاِخْتِيار مِن مُتعَدِّد

 

شَبَح الاِخْتِيار مِن مُتعَدِّد


        أدرَكتُ مدى خُطورةِ المَوقفِ عندما وَجدتُ نفسيَّ جالساً بجانبِ حاسوبٍ مكسورٍ بعد أنْ كنتُ قد أمضيتُ الساعتينِ السابقتينِ أبحثُ عن فيلمٍ مناسبٍ لأشاهدهُ من وَسطِ مجموعةٍ ضخمةٍ من الأفلام، و بإمكانِكُم أن تَحزِروا أنِّي لم أجِد الفيلمَ المُناسبَ بعد، و في طَريقي الآن لِمُقاضاةِ شَرِكَةِ "نتفلكيس" لِكَونِها في نَظري السَببَ في ما حدث.
و قد بَدأَ الأَمرُ مُنذُ طُفولَتي، و نَما بِنُموِّ خَوفي مِن أَسئِلَةِ الاخِتيارِ مِن مُتَعدد، و التي كانت تَنتَظِرُني على الَدوامِ في كُلِ امْتِحان. و سَوفَ التَمِسُ لها بَعضَ العُذر، فقد كُنتُ فَريسةً سَهلةً في ظِلِ القانونِ الذي يَحكُمُنا في هَذِهِ الغابة. فَكُنتُ وعلى الرَغمِ مِن مَعرِفَتي الإِجابَةَ الصَحيحة، إلا أنَّ بِمُجَردِ أن تَرى عَينايَ اختِيارَ "كل ما سبق" سُرعانَ ما أجِدُ يَدايَ تَتَّجِهُ إليهِ كاتجاهِ الذُبابِ إلى الضوءِ في مَشهَدٍ نَراهُ غَيرَ مَنطِقيٍ بالمرة، و يَبدأُ ذِهني بإقناعي أنَّ باقي الاِختِياراتِ قد تَكونُ صَحيحةً في ظُروفٍ مُختَلِفةٍ أوْ في أكوانٍ مُوازِيةٍ أُخرى.

و لكنَّ الأمرَ يَستحِقُ التأمُل، لماذا كِثرَةُ الاختياراتِ تُصيبُنا بالتوتر؟

إحدى التفسيراتِ أوضَحها الباحث توماس سالتزمان - مدير مختبر الفسيولجيا النفسية الاجتماعية بجامعة بافالو - في دراسةٍ أجراها، حيثُ قال أنّنا - نحن البشر - نُؤمنُ أنّ اختياراتِنا ماهي إلا انعكاسٌ لهويتِنا، مما يَدفعُنا للاحساسِ بمسؤوليةٍ زائدةٍ اتجاه اختياراتِنا، و الذي بِدورهِ يُصيبُنا بالتوتر.
علاوةً على ذلك، فإنَّه عندما يتم تقديم المزيد من الخيارات إلينا، فإنَّ اختيارَ القرار الصواب - من وجهة نظر كل شخص - سيبدو أكثرَ أهمية، و بالتالي أكثر صعوبةً في اتخاذِه. و في نفس الوقتِ سيزدادُ الشعورُ بالخوفِ من اختيارِ القرار الخاطِئ، لأنَّ اختيارَ القرار الخاطئ سيفتحُ البابَ لمشاعرِ الندم، و بشكلٍ تلقائِّيٍ ستبدأ أذهانُنا في رسمِ سلسةٍ من الأبعادِ المختلفة بعدد باقي الاختيارات، و معها ستنهالُ علينا أسئلةُ "الماذا لو؟".

الاختيارات؛ ضريبةُ الحريّة.

هل تُفضِّلُ أنْ تعاني من حريّة الاختيار أمْ أنْ تستمتعَ بِراحَةِ الاستِعبَاد؟ دائماً ما كنا و لازلنا نُطالِبُ بالحرية، و لكنْ معها نَما شبحُ الاختِيار، و الذي على الرغمِ من أثَرهِ السيء في النفوس، إلا أنَّه يصبُ دائماً في المصلحةِ العامّة.
فعلى سبيل المثال: وجودُ أكثرَ من علامةٍ تجاريةٍ تقدمُ نفسَ السلعةِ باختلافاتٍ بسيطة. نعم، الاختيار من بينهم قد يكونُ مُرهِقاً أحياناً، و لكنَّ وُجودُهم ضروري، فوُجودُهم هو الذي يَضمنُ أنْ تحصل أنت كمستهلكٍ في النهاية على سلعةٍ جيدةِ الجودة و بسعرٍ مناسب، بفضل المنافسةِ المستمرةِ مع باقي العلاماتِ التجارية.


و باختصار، يُمكِنُنا أنْ نَستنتِجَ أنَّنا نريد الاختيار و لكنْ لا نُريد أنْ نختار، أيْ نَرغبُ بوجودِ خِياراتٍ مُختلفة و لكنْ بدونِ أن نُجبَر على أن نَختار من بينِهم.
قد تشعرُ بِبَعضِ التناقضِ من هذا الكلام، و لكنّ التناقضَ ماهو إلا جُزءٌ من طبيعةِ النفسِ البَشرية.

فتَقبَّل أن اختيارك ليسَ بالضرورةِ أن يكونَ الأفضلَ دائماً، و لكنَّهُ بالتأكيدِ سيُؤثرُ في اختياراتِكَ المُستَقبليةِ للأفضل.



Comments