لما أصبحنا أكثر عرضةً للإصابة بالاضطرابات النفسية؟

لما أصبحنا أكثر عرضةً للإصابة بالاضطرابات النفسية؟










لطالما أرّقني هذا السؤال وجعلني شغوفاً بالبحث عن إجابةٍ مرضية، خاصةً مع ملاحظة أن الأجيال السابقة لا تقوى على تَفَهُّم المعاناة النفسية التي يمر بها أغلب أفراد الجيل الحالي، مما يُحتِّم أنهم لم يعانوا سابقاً مما نعاني نحن الآن.

فلما أصبحنا أكثر عرضةً للإصابة بالاضطرابات النفسية؟

للإجابة على هذا السؤال سينبغي علينا ترسيخ بعض المفاهيم الأساسية والتي ستقودنا في النهاية إلى الإجابة.

وحيث أن أهل البداية هو الوجود، دفعني هذا للتساؤل...

هل عدم وجود اسم لشيء معين، يجعله غير موجودٍ من الأساس؟













الطبيعي في تسلسل الأحداث، أن الشيء يأتي أولاً ومنها تأتي تسميته، سواءً أتى بشكلٍ طبيعي أو تم اكتشافه.

فمثلاً. وُلِدَ الطفل وأقبل على الوجود، ثم سُميَّ أحمد.

أو، وُجدت السيارة وتم اختراعها، ثم تمت تسميتها؛ سيارة.

ومنها، لو لم يحمل الشيء اسماً فلا بد له من احتمالين: الأول، أنه ليس له وجود. والثاني، هو أنه لم يتم اكشافه بعد، وهذا يجعلك أنت مُكتَشِفَه، بعد أن تقوم بتسميته بالطبع؛ فلقد اكتشفته لتوك وحقوق مِلكيَّتِه ترجع إليك.

والسؤال الآن هو: هل الأمر سيانٌ في المشاعر؟

إذا لم يكن للشعور مسمى، فهل له وجودٌ من الأساس؟













فكّر في الأمر قليلاً.

إذا لم تكن تدرك معنى الصدمة أو الـ "Trauma"، هل كنت لتدرك تبعات ما بعد الصدمة؟

لنعد صياغة المثال بشكلٍ أدق،

إذا لم تكن تُدرِكُ أن حدثاً مُعيناً هو حدثٌ صادم، هل كنت لتعاني منه من جانبٍ نفسي؟

إجابة هذا السؤال أوضحتها العالمة Lisa Fieldsman - عالمة في الأعصاب وعلم النفس - في كتابها "How Emotions Are Made"، من خلال موقفٍ مرت به بشكلٍ شخصي.

حيث أن زميلاً لها - عالم - كان مرشحاً لجائزة نوبل وخسر.

في البداية شعرت بتعاطفٍ بسيطٍ اتجاهه، ثم تبعه إحساسٌ بالرضا والفرحة لسوء حظه لأنه كان يعاملها باحتقارٍ في الماضي، ومنها بإحساسٍ عارمٍ بالدناءة والشعور بالذنب لسوء نواياها، متبوعٍ بمشاعر حرجٍ من أن يكتشف أحدٌ نواياها السيئة.

في بادئ الأمر ستبدوا هذه المجموعة من المشاعر غريبةً وغير مفهومةٍ لشخصٍ يمر بها لأول مرة، إلا أن لها اسماً معروفاً بـ "Schadenfreude".

ولو مررت بشعورٍ مشابه من غير أن تكون مدركاً له، سيقوم عقلك بتصنيفه لأقرب شعورٍ مشابه يعرفه، سواءً كان مجرد الحزن أو الشعور بالذنب.

فبدون مسمى أو "Concept" للشعور، فالشعور منطقياً غير موجود، أو لنقل أنه مجرد نمط من الإشارات العصبية الغير-مفهومة.

ماهية المشاعر












يتعامل البشر مع المشاعر على أنها شيء موجودٌ بداخلهم؛ شيءٌ يولدون به.

في حين أن المشاعر تتكون من حصيلة ثقافتك بها.

وإدراكك للمشاعر التي تمر بها، سيسهل عليك تعاملك معها و تقبلك لها.

إجابةً على السؤال الرئيسي،

 لما أصبحنا أكثر عرضةً للإصابة بالاضطرابات النفسية؟

لأن تفتحنا على الثقافة النفسية مقتصرٌ على المعرفة السطحية بالجانب السلبي منها فقط، ومنها فنحن أكثر عرضةً للتأثر بها.

فلو قمت بإحصاء المشاعر السلبية التي تعرفها وقارنتها بالمشاعر الإيجابية، ستجد أن الكفة لم تتردد في قرارها.

ببساطة،

أنت غنيٌ بالمشاعر السلبية وفقيرٌ بالمشاعر الإيجابية.




جديرٌ بالذكر أن جميع محتويات هذه التدوينات ليست بالمسلمات ولكنها مجرد خواطر نتاج بعض الفكر الليلية، المتأثرة بكل من:

كتاب How Emotions Are Made للعالمة Dr. Lisa Fieldsman

بودكاست فنجان مع عبدالرحمن أبو مالح، حلقة 228 بعنوان كيف أصبحنا جيلاً هشاً نفسياً، من إنتاج إذاعة ثمانية.



Comments

Popular Posts