انتَ البطلُ القادم...أوْ الشرير

 انتَ البطلُ القادم...أوْ الشرير


ليست القُوى الخارِقةُ هيَ مَن تَصنعُ الأبطال، بَل على العَكسِ تَماماً، الأبطالُ هُم مَن يَصنَعونَ القُوى الخارِقة، و لا أَقصِدُ هُنا القُوى الخارِقةَ للطبيعة، بَل القُوى الخارِقة للمُعتاد...

فَمِنَ المُحتَملِ حتى أنْ تَكونَ اليومَ قَد مَررتَ بِجانبِ العَديدِ مِنَ الأبطالِ بِدونِ أنْ تَلحظَ ذَلك.

و قبل أنْ نَبدأ، أُحبُ أنْ أُنَوِهَ أنَّ جَميعَ مُحتوياتِ هَذهِ التَدوينة، هِي نَتاجُ فِكَرٍ لَيِليةٍ مُحلاةٌ بِبَعضِ الأَرق.

فَاستَرحْ، تَناول قدحاً مِنَ الشَاي، و اطّمئِنْ، فَلستَ وَحدكَ مَن يُعاني.



كيفَ تصنَعُ بطلاً في ثَلاثِ خُطواتٍ بَسيطة












١. ائْتِ بالشخصِ المَطلوب (البطل المستقبليّ).

٢. اجعَلهُ يتيماً، اُقتُل والِدَيهِ الاِثنَين، أو عَلى الأقلِ أَحدُهُما، و في أَضعفِ الإيمانِ أحدُ أقرِبائِه أو أصدِقائِه، المُهمُ هو أنْ تَقتُلَ أحداً!

٣. اجعَلهُ مريضاً باضْطِرابِ ما بَعدَ الصدمَة، و لا ضَيرَ مِنَ المَزيدِ مِنَ الأمراضِ الَنفسِية، و لكنَّ اضْطِرابَ ما بَعدَ الصدمَةِ هُوَ أَهمُهُم، يَجبُ أنْ يُعانِيَ مِنه.


و هَنيئاً لَك، لَقد صَنَعتَ للتوِّ بَطلاً!

و في واقِعِ الأمر، هَذهِ الوَصفَةُ لا تَقتَصِرُ على الأبطالِ فَحسب، بَل هِيَ أيضاً وَصفَةُ صِناعةِ الأشرار.



فما الذي يَفصِلُ بَينَ الخَيرِ و الشَر؟ لِنرى













الخَيرُ و الشَرُ وَجهانِ لِعُملَةٍ واحِدة، فَأينَما وُجِدَ الخَير، وُجِدَ الشَر، و العكسُ قائم، فَهُما تَوأمانِ مُختلفان وُلِدا من رَحِمِ المُعاناة.

و لنَأخُذ عَلى سَبيلِ المِثالِ "باتمان" و "الجوكر":


● "باتمان"

حامي مَدينةِ جوثام, الرَئيسُ التَنفيذيُّ لِشَرِكةِ "Wayne Enterprises"، و الهَويةُ الخَفيةُ لِبروس واين. بَعدَ مَقتلِ والديهِ أمامَ عينيهِ في عَمليةِ سَرقةٍ تَطوَّرَت فيها الأحداثُ إلى جَريمةِ قَتل، أَقسمَ بروس على تَكريسِ حَياتهِ في القضاءِ على الجريمةِ و تَطهيرِ مَدينةِ جوثام مِنَ الشرِ الذي كانَ السَببَ في مَقتَلِهما. و على الرغمِ مِنْ عَدمِ امتِلاكِهِ لِأيّ قُوى خارِقة، إلّا أنَّهُ استَطاعَ استِغلالَ ذَكائِهِ و ثَروتِهِ بِجانبِ قُدرتِهِ البدنيةِ في تَحقيقِ مُرادِه.

و قِصَتُه شَبيهةٌ للغايةِ بِقصةِ الرجلِ العنكبوت "سبايدرمان" الذي تُوفِيَّ عَمُهُ في مُحاولَةٍ مِنهُ لِمنعِ عَمليةِ سَرقة.

و لكنْ لِنُراجع بَعضَ الأحداثِ بِبطءٍ قليلاً، عملُهما في البِدايةِ كانَ نابِعاً مِنْ رَغبتِهما الشديدةِ في الانتقام، و الذي كانَ واضِحاً بالأخصِ في فِعلِ "سبايدرمان" عندما كانَ يَتصيدُ المُجرمينَ آملاً أنْ يُقابِلَ قاتِلَ عَمِه لِيَنتقمِ مِنه، بِجانبِ بِالطبعِ إِحساسَهُ بِالذنبِ أنَّهُ كانَ السببَ في مَقتلِه. فهَل مِنَ الصحيحِ حقاً أنْ نَعتبِرَ الرغبةَ في الانتقامِ عملٌ بطوليّ؟ أعني أنّ العفوَ و الانتقامَ كِلاهُما صِفتانِ مُتضادتان، فأيُّهما يَندرجُ تَحت الخَيرِ و أيُّهما تَحت الشَر؟


● "الجوكر"

كَثُرت الِرواياتُ حولَ مَنشأِ "الجوكر" و لا تُوجدُ رِوايةٌ مُعينةٌ نَستنِدُ إِليها، فكلُ مُخرجٍ أو كاتبٍ يَصوغُها بِشكلٍ مُختلفٍ عَن الآخر، و بالتالي سَنتناولُ قِصتَهُ في آخرِ فيلمٍ تمَّ اِنتاجُه، و بإمكانِكُم أنْ تَغُضوا النَظرَ عَن حقيقةِ أنّي اخترتُ آخرَ فيلمٍ لهُ بالتحديدِ لأنَّهُ يدعمُ وِجهةَ نَظري.

خواكين فينيكس، أخٌ غيرُ شقيقٍ ل"باتمان" أو على الأقلِ هذا ما ادّعتهُ والدَتُه و أنَّ أبوهُ رَفضَ الاعتِرافَ بِهِ لِمكانَتِه الاجتماعيَّة، خواكين كان مُصاباً بِمرضٍ نفسيٍّ جَعلهُ دائماً عُرضةً للتنمُّرِ أينما كان، و الذي أثَّر بِشكلٍ مَلحوظٍ على حياتِه و كانَ السببَ في خَلقِ شَخصيةِ "الجوكر"، حيثُ كانت أولَ عمليةِ قتلٍ لهُ مُجردَ دِفاعٍ عن نفسِهِ ضِدَ مجموعةٍ مِنَ الأفرادِ انهالوا عَليهِ بالضَّربِ و التنمُّر، و الذي تحوَّلَ فيما بَعدُ إلى ظَاهرةٍ سياسيَّةٍ في مُحاولةٍ لِنَشرِ الفوضى في مدينةِ جوثام و تَحقيقِ عَدالةٍ اجتماعيَّة.



و يَقودُنا هذا إلى تَفكيرٍ مختلفٍ قليلاً، و يدفَعُنا للتساؤلِ في ماهيَّةِ الشَر.

الشَرُ نِسبيٌّ، فالأشرارُ أخيارٌ في رِوايةِ أحدِهم











فحتى و إنْ كانَ ثانوس قَدْ أَنهى حياةَ نِصفِ سُكانِ العالم، إلّا أنَّ دافِعهُ لم يَكن بِقدرِ سوءِ فِعله، فهوُ كانَ يسعى لِإنقاذِ العالمِ مِنَ الفوضى الناتِجةِ عَن الزيادةِ السُكانية، و التي كانت تُؤدي إلى الحروبِ على المصادر، و التي كانت -في نظره- سَتودي بالعالمِ في النهايةِ إلى هلاكٍ حتميّ، فَفِعلُهُ كانَ تَضحيةً اِضْطَرَّ أنْ يَأخُذَها لِينقذَ العالم، بِجانبِ بِالطبعِ رَغبتُه في إبهارِ هيلا أودين (شخصية تُجَسِدُّ الموت و أخت غير شقيقة لثور)، و بِنفسِ المَنطق، بإمكاننا أنْ نُطبِقَ هذه النظرية على العديدِ مِن مَن يُطلَقُ عَليهم لَقبُ الأشرار.



لنرى في النهاية، أنَّ بإمكانِنَا أنْ نَلتمِسَ العُذرَ للشريرِ على شره، و أنْ نُعظِّمَ البطلَ على خيره.

و إذا ما وَضعنا أنفُسنا في الشخصيةِ الرئيسيةِ لأفلامِ حياتِنا، سَنجدُ الآتي:

جميعُنا قد عانى في مَرحلةٍ ما مِن أَلمِ الفقد، حتى و لو كانَ فقدانُ شخصٍ عزيزٍ بسببٍ غير الوفاة.

جميعُنا أيْضاً قد عانى مِن صَدمةٍ ما، و التي لاتزالُ كَدماتُها تؤثِّرُ علينا بينَ حينٍ و آخر.

و الآن، قد آنَ أوانُ اختيارِك، هل ستصبحُ البطلَ أم الشرير؟ هل سَتُسخِّرُ مُعاناتَك في الخير أم الشر؟ اِختَرْ قرارك.


Comments

Post a Comment